حيث نحتاج الماء نجد البنادق

أحمد الجمال

عادة ما ينظر للإقليم العربي على أنه يتمتع بالكثير من الثروات: وفرة النفط (المملكة العربية السعودية).. أحد أعلى معدلات دخل الفرد في العالم (قطر)… موطن أطول مبنى فاخر في الدنيا (الامارات العربية المتحدة)… لكنه يفتقر إلى واحد من أكثر الموارد المحدودة اللازمة لبقاء الإنسان علي قيد الحياة: الماء.

في هذا الصدد، يفيد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في دراسة جديدة ، أن “المواطن العربي العادي أقل قدرة ثماني مرات على الحصول على المياه المتجددة، من المواطن العادي العالمي… وأكثر من ثلثي موارد المياه السطحية تنبع من خارج المنطقة”.

ويحذر التقرير -المعنون “حوكمة المياه في المنطقة العربية: إدارة الندرة و تأمين المستقبل”- من أن ندرة المياه في المنطقة تتوجه بسرعة نحو “مستويات تنذر بالخطر، بعواقب وخيمة على التنمية البشرية”.

في هذه المنطقة يعيش حوالي خمسة في المئة من سكان العالم البالغ عددهم أكثر من سبعة مليارات نسمة، بينما تحتل 10 في المئة من مساحته. لكنها تمثل أقل من واحد بالمائة من الموارد المائية العالمية، حسب التقرير الذي يفيد أيضا أن حصتها من الموارد المائية المتجددة سنوياً هي أيضا أقل من واحد في المئة فهي تتلقى 2.1 في المئة فقط من متوسط هطول الأمطار السنوي العالمي.

كذلك فأكثر من 87 في المئة من تضاريس المنطقة عبارة عن صحراء ويقع فيها 14 من أصل 20 دولة تعاني من نقص المياه في العالم، وفقا للتقرير الأممي.

في هذا الشأن، تقول مود بارلو -المستشارة الرفيعة السابقة في الأمم المتحدة في قضايا المياه ومؤلفة كتاب “المستقبل الأزرق، حماية المياه من أجل الناس وكوكب الأرض إلى الأبد”- أن الشرق الأوسط يعاني من “أزمة مياه”، فيما يمثل التصحر مشكلة واسعة في بلدان مثل سوريا والأردن والعراق وإيران.

وتضيف أن أعظم المشاكل هي الممارسات الزراعية غير المستدامة التي أسرفت في استهلاك المياه الجوفية في المنطقة. وتحذر:”السدود والتحويلات لأغراض الري الثقيل تدمير مصادر المياه بمعدل ينذر بالخطر”.

ويذكر أن دراسة أجرتها وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) مؤخرا، أفادت أن المنطقة قد فقدت –  منذ عام 2003- مياها جوفية بقدر أكبر بكثير مما كان يعتقد سابقا. فقال التقرير إنها بحجم البحر الميت.

وفي هذا الشأن أيضا، قال الشيخ محمد بن زايد آل نهيان: “بالنسبة لنا، الماء هو (الآن) أكثر أهمية من النفط”.

هذا وعلي ضوء تهديدات ندرة المياه في المستقبل، قامت العديد من الدول العربية بتوسيع استخدامها للموارد المائية غير التقليدية، بما يشمل تحلية مياه البحر، ومياه الصرف الصحي المعالجة، وحصاد مياه الأمطار، واستمطار السحب، واستخدام مياه الصرف للري.

وحالياً، تقود المنطقة العربية العالم في مجال تحلية المياه، بأكثر من نصف القدرة العالمية. ومن المتوقع أن تتوسع عمليات تحلية المياه من 1.8 في المئة من امدادات المياه في المنطقة، إلى ما يقدر بنحو 8.5 في المئة بحلول عام 2025.

كذلك فمن المتوقع أن تتركز معظم الزيادة في البلدان المصدرة للطاقة ذات الدخل المرتفع، وبخاصة دول الخليج، ذلك لأن تحلية المياه تستهلك الكثير من الطاقة ورأس المال، وفقا لدراسة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

هذا وقد سبق أن حذر الأمين العام للأمم المتحدة من ان نقص المياه يسبب المصاعب الاجتماعية ويعيق التنمية.

وقال في إشارة ضمنية إلى الشرق الأوسط أنها “تخلق توترات في المناطق المعرضة للصراع. وفي كثير من الأحيان، حيث نحتاج الماء نجد البنادق. لا يزال هناك ما يكفي من المياه بالنسبة لنا جميعا – ولكن فقط طالما نحافظ على نظافتها، ونستخدمها بشكل أكثر حكمة، ونتقاسمها بشكل عادل”.

وفي غضون ذلك، تلاحظ دراسة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن التحديات الكبيرة لقطاع المياه في المنطقة تشمل المؤسسات المجزأة ذات المسؤوليات غير الواضحة والمتداخلة، وعدم كفاية القدرات، وعدم كفاية التمويل، ومركزية صنع القرار، وعدم الامتثال للوائح، والإنفاذ غير الفعال، ومحدودية الوعي العام .

وتحدثت مساعدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومديرة المكتب الإقليمي للدول العربية، قائلة أنه يجب التعامل مع أزمات المياه باعتبارها مسألة ذات أولوية وملحة، وتستحق مزيدا من الاهتمام والالتزام السياسيين حتى في خضم البيئة السياسية الصعبة في المنطقة اليوم.

ومن جانبها، قالت مود بارلو – المستشارة الرفيعة السابقة في الأمم المتحدة في قضايا المياه: “لقد مكنت الثروة النفطية في المنطقة العربية بعض الدول من إخفاء الفقر المائي وإعطائها الانطباع الخاطئ بأنه يمكنها شراء طريقها للخروج من الأزمة المقبلة”.

وأضافت: “الدول العربية الغنية في الخليج مثل الإمارات العربية المتحدة، والتي لديها أعلى نصيب للفرد من البصمة المائية في العالم، تفرط في استخراج المياه من الخليج بسبب مشاريع تحلية المياه الضخمة، وذلك باستخدام إمدادات المياه الشحيحة لبناء المدن وري الصحاري”.

وأشارت أيضا إلى أن 70 في المئة من محطات تحلية المياه في العالم، توجد في هذه المنطقة، والعلماء يحذرون الآن من “ذروة الملح” – وهي النقطة التي يصبح فيها الخليج مالحاً إلي حد يصبح فيه الاعتماد عليه لتحلية المياه غير مجدي اقتصاديا.

وعلاوة على ذلك، أشارت إلى أن معظم مياه الصرف الصحي في المنطقة لم يتم علاجها بشكل صحيح – وفي بعض الحالات لم تعالج على الإطلاق، بما في ذلك الحال في البلدان الغنية. “ونتيجة لذلك، تلوثت الأنهار والخليج بشكل كبير”.

وأضافت: “علي ضوء الطلب المتزايدة على المياه، والإمدادات المتضائلة، والتلوث المتفشي .. يواجه العالم العربي مشكلة مياه خطيرة”.

وقالت أن التشجيع علي خصخصة خدمات المياه باعتبارها أكثر كفاءة ليس خاطئا فقط في حد ذاته – فالبلديات في جميع أنحاء العالم تستعيد خدمات المياه الخاصة بها بعد تجارب كارثية مع الخصخصة- ولكن من شأنه أن يضع القرار في أيدي أولئك الذين يمسكون بزمام السلطة الآن والذين لديهم ما يكفي من المياه لملاعب الغولف وبناء القصور.

وأنهت بارلو تصريحاتها قائلة أن “تضافر الجهود لحماية المياه في المنطقة باعتبارها وقف عام وحق من حقوق الإنسان -جنبا إلى جنب مع قوانين صارمة لمنع الإفراط في استخراج وتلويث وسرقة المياه- قد يؤدي لتفادي الأزمة المقبلة في العالم العربي”

.